كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{وأعطى قليلا} أي: من المال المسمى {وأكدى} أي: منع الباقي، مأخوذ من الكدية أرض صلبة كالصخرة تمنع حافر البئر إذا وصل إليها من الحفر، فأكدى أصله من أكدى الحافر إذا حفر شيئًا فصادف كدية منعته من الحفر ومثله: أجبل إذا صادف جبلًا منعه من الحفر وكديت أصابعه كَلَّت من الحفر ثم استعمل في كل من طلب شيئًا فلم يصل إليه أو لم يتممه ولمن طلب شيئًا ولم يبلغ آخره قال الحطيئة:
وأعطى قليلًا ثم أكدى عطاءه ** ومن يفعل المعروف في الناس يحمد

وقال السدي: نزلت في العاصي بن وائل السهمي وذلك أنه ربما يوافق النبيّ صلى الله عليه وسلم في بعض الأمور وقال محمد بن كعب القرظي: نزلت في أبي جهل وذلك أنه قال والله ما يأمرنا محمد إلا بمكارم الأخلاق فذلك قوله تعالى: {وأعطى قليلًا وأكدى} أي لم يؤمن به ومعنى أكدى قطع، وروي أنّ عثمان رضى الله تعالى عنه كان يعطي ماله في الخير فقال عبد الله بن سعد بن أبي سرح وهو أخوه من الرضاعة: يوشك أن لا يبقى لك شيء فقال عثمان: إنّ لي ذنوبًا وخطايا وإني أطلب بما أصنع رضا الله تعالى وأرجو عفوه فقال عبد الله: أعطني ناقتك برحلها وأنا أتحمل عنك ذنوبك فأعطاه وأشهد عليه وأمسك عن العطاء فنزلت.
وقوله تعالى: {أعنده علم الغيب} أي: ما غاب هو المفعول الثاني لرأيت بمعنى أخبرني، والمفعول الأوّل محذوف اقتصارًا لأعطى {فهو} أي: فتسبب عن ذلك أنه {يرى} أي: يعلم أنّ صاحبه يتحمل عنه ذنوبه.
{أم} أي: بل {لم ينبأ} أي: يخبر أخبارًا عظيمًا متتابعًا {بما في صحف موسى} أي: التوراة المنسوبة إليه بإنزالها عليه، وكذا ما تبعها من أسفار الأنبياء الذين جاؤوا بعده بتقريرها.
وقدم صحف موسى عليه السلام على قوله: {وإبراهيم} أي: وصحفه لأنّ كتاب موسى عليه السلام أعظم كتاب بعد القرآن مع أنه موجود بين الناس تمكن مراجعته، ثم مدح إبراهيم عليه السلام بقوله تعالى: {الذي وفى} أي: أتم ما أمر به من ذلك تبليغ الرسالة واستقلاله بأعباء النبوة وقيامه بأضيافه وخدمتهم إياه بنفسه، وإنه كان يخرج كل يوم فيمشي فرسخًا يرتاد ضيفًا فإن وافقه أكرمه وإلا نوى الصوم وعن الحسن: ما أمر الله تعالى بشيء إلا وفى به وصبر على ما امتحن به، وما قلق شيئًا من قلق وصبر على حر ذبح الولد وعلى حر النار ولم يستعن بمخلوق بل قال لجبريل عليه السلام لما قال له: ألك حاجة قال: أما إليك فلا وقال الضحاك: وفي المناسك، وروي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال «إبراهيم الذي وفى أربع ركعات من أول النهار» وهي صلاة الضحى وروي «ألا أخبركم لم سمى الله خليله الذي وفى كان يقول: إذا أصبح وأمسى {فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون} إلى {تظهرون}» وقيل: وفى سهام الإسلام وهي ثلاثون عشرة في التوبة {التائبون}، وعشرة في الأحزاب {إنّ المسلمين}، وعشرة في المؤمنون، {قد أفلح المؤمنون}.
وخص هذين النبيين لأنّ الموعودين من بني إسرائيل اليهود والنصارى يدعون متابعة موسى عليه السلام، ومن العرب يدعون متابعة إبراهيم عليه السلام ومن عداهم لا متمسك لهم ولا سلف في نبوّة محققة ولا شريعة محفوظة، وقرأ هشام بفتح الهاء وألف بعدها والباقون بكسر الهاء وياء بعدها.
ثم فسر تعالى الذي في الصحف واستأنف بقوله تعالى: {ألا تزر} أي: تأثم وتحمل {وازرة} أي: نفس بلغت مبلغًا تكون فيه حاملة لوزر {وزر أخرى} أي: حملها الثقيل من الإثم، وفي هذا إبطال قول من ضمن للوليد بن المغيرة أن يحمل عنه الإثم، وروى عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كانوا قبل إبراهيم عليه السلام يأخذون الرجل بذنب غيره، وكان الرجل يقتل بقتل أبيه وابنه وأخيه وعمه وخاله وامرأته والعبد بسيده، حتى جاءهم إبراهيم عليه السلام فنهاهم عن ذلك وبلغهم عن الله عز وجل {ألا تزر وازرة وزر أخرى}.
{وَأَن لَّيْسَ لِنسَانِ إلا مَا سَعَى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ اوْفَى وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا}.
ولما نفى أن يضرّه أثم غيره نفي أن ينفعه سعي غيره بقوله تعالى: {وأن ليس للإنسان} كائنًا من كان {إلا ما سعى} فلابد أن يعلم الحق في أي جهة فيسعى فيه ودعاء المؤمنين للمؤمن من سعيه بموادته ولو بموافقته لهم في الدين فقط، وكذا الحج عنه والصدقة ونحوها، وأما الولد فواضح في ذلك، وأما ما كان بسبب العلم والصدقة ونحوها فكذلك، وتضحية النبيّ صلى الله عليه وسلم عن أمته أصل كبير في ذلك فإنّ من تبعه فقد واده وهو أصل في التصدق عن الغير وإهداء ما له من الثواب في القراءة ونحوها إليه.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: هذا منسوخ الحكم في هذه الشريعة أي: وإنما هو في صحف موسى وإبراهيم عليهما السلام بقوله: {ألحقنا بهم ذريتهم} (الطور).
فأدخل الأبناء الجنة بصلاح الآباء وقال عكرمة إنّ ذلك لقوم موسى وإبراهيم عليهما السلام، وأما هذه الأمة فلهم ما سعوا وما سعى لهم غيرهم لما يروى أن امرأة رفعت صبيًا لها فقالت يا رسول الله ألهذا حج فقال نعم ولك أجر «وقال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم إنّ أمي انسلت نفسها فهل لها أجر إن تصدقت عنها قال نعم».
قال الشيخ تقيّ الدين أبو العباس أحمد بن تيمية: من اعتقد أنّ الإنسان لا ينتفع إلا بعمله فقد خرق الإجماع وذلك باطل من وجوه كثيرة: أحدها: أنّ الإنسان ينتفع بدعاء غيره وهو انتفاع بعمل الغير. ثانيها: أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم يشفع لأهل الموقف في الحساب، ثم لأهل الجنة في دخولها ثم لأهل الكبائر في الخروج من النار وهذا انتفاع بعمل الغير. ثالثها: أن كل نبي وصالح له شفاعة وذلك انتفاع بعمل الغير. رابعها: أنّ الملائكة يدعون ويستغفرون لمن في الأرض وذلك منفعة بعمل الغير. خامسها: أنّ الله تعالى يخرج من النار من لم يعمل خيرًا قط بمحض رحمته وهذا انتفاع بغير عملهم. سادسها: أنّ أولاد المؤمنين يدخلون الجنة بعمل آبائهم وذلك انتفاع بمحض عمل الغير. سابعها: قال تعالى في قصة الغلامين اليتيمين {وكان أبوهما صالحًا} (الكهف).
فانتفعا بصلاح أبيهما وليس هو من سعيهما. ثامنها: أنّ الميت ينتفع بالصدقة عنه والعتق بنص السنة والإجماع وهو من عمل الغير. تاسعها: أنّ الحج المفروض يسقط عن الميت بحج وليه بنص السنة وهو انتفاع بعلم الغير. عاشرها: أنّ الحج المنذور أو الصوم المنذور يسقط عن الميت بعمل غيره بنص السنة وهو انتفاع بعمل الغير. حادي عشرها: أن المدين الذي امتنع صلى الله عليه وسلم من الصلاة عليه حتى قضى دينه أبو قتادة، وقضى دين الآخر علي بن أبي طالب وانتفع بصلاة النبيّ صلى الله عليه وسلم وبردت جلدته بقضاء دينه وهو من عمل الغير. ثاني عشرها: أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال لمن صلى وحده «ألا رجل يتصدّق على هذا فيصلى معه» فقد حصل له فضل الجماعة بفعل الغير. ثالث عشرها: أنّ الإنسان تبرأ ذمته من ديون الخلق إذا قضاها قاض عنه وذلك انتفاع بعمل الغير. رابع عشرها: أن من عليه تبعات ومظالم إذا حلل منها سقطت عنه وهذا انتفاع بعمل الغير. خامس عشرها: أنّ الجار الصالح ينفع في المحيا والممات كما جاء في الأثر وهذا انتفاع بعمل الغير. سادس عشرها: أنّ جليس أهل الذكر يرحم بهم وهو لم يكن منهم ولم يجلس لذلك بل لحاجة عرضت له والأعمال بالنيات فقد انتفع بعمل غيره. سابع عشرها: الصلاة على الميت والدعاء له في الصلاة انتفاع للميت بصلاة الحيّ عليه وهو عمل غيره. ثامن عشرها: أنّ الجمعة تحصل باجتماع العدد وكذلك الجماعة بكثرة العدد وهو انتفاع للبعض بالبعض. تاسع عشرها: أنّ الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم} (الأنفال).
وقال تعالى: {ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات} (الفتح).
{ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض} (البقرة).
فقد دفع الله تعالى العذاب عن بعض الناس بسبب بعض وذلك انتفاع بعمل الغير. عشروها: أنّ صدقة الفطر تجب عن الصغير وغيره ممن يمونه الرجل فينتفع بذلك من يخرج عنه ولا سعي لهما. حادي عشريها: أنّ الزكاة تجب في مال الصبي والمجنون ويثاب على ذلك ولا سعي له ومن تأمّل العلم وجد من انتفاع الإنسان بما لم يعمله ما لا يكاد يحصى، فكيف يجوز أن تتأوّل الآية على خلاف صريح الكتاب والسنة وإجماع الأمة.
والمراد بالإنسان العموم وقال الربيع بن أنس: ليس للإنسان يعني الكافر: وأما المؤمن فله ما سعي وما سعى له وقيل: ليس للكافر من الخير إلا ما عمله يثاب عليه في الدنيا حتى لا يبقى له في الآخرة خير، وروي «أنّ عبد الله بن أبي كان أعطى العباس قميصًا ألبسه إياه فلما مات أرسل النبيّ صلى الله عليه وسلم قميصه ليكفن فيه فلم تبق له حسنة في الآخرة يثاب عليها».
{وأن سعيه} أي: من خير وشر {سوف يرى} أي: في ميزانه من غير شك يوم القيامة بوعد لا خلف فيه وإن طال المدى، من: أريته الشيء، أي: يعرض عليه ويكشف له.
فإن قيل: العمل كيف يرى بعد وجوده ومضيه؟
أجيب: بأنه يرى على صورة جميلة إن كان العمل صالحًا قال الرازي وذلك على مذهبنا غير بعيد، فإن كل موجود يرى والله تعالى قادر على إعادة كل ما عدم فيعيد الفعل فيرى، وفيه بشارة للموحد وذلك أنّ الله تعالى يريه أعماله الصالحة ليفرح بها ويحزن الكافر بأعماله الفاسدة فيزداد غمًا.
{ثم يجزاه} أي: السعي {الجزاء الأوفى} أي: الأتمّ الأكمل والمعنى: أنّ الإنسان يجزى جزاء سعيه بالجزاء الأوفى يقال: جزيت فلانًا سعيه وبسعيه. قال الرازي: الجزاء الأوفى يليق بالمؤمنين الصالحين، لأنّ جزاء الطالح وافر قال تعالى: {فإنّ جهنم جزاؤكم جزاء موفورًا} (الإسراء).
وذلك أن جهنم ضررها أكثر من نفع الآثام فهي في نفسها أوفر.
{وأنّ إلى ربك} أي: المحسن إليك لا إلى غيره {المنتهى} أي: الانتهاء برجوع الخلائق ومصيرهم إليه فيجازيهم بأعمالهم وقيل: منه ابتداء المنة وإليه انتهاء الآمال، وروى أبو هريرة مرفوعًا «تفكروا في الخلق ولا تتفكروا في الخالق فإنّ الله تعالى لا يحيط به الفكر» وفي رواية «لا تتفكروا في الله فإنكم لن تقدروا قدره» قال القرطبي: ومن هذا المعنى قوله صلى الله عليه وسلم «يأتي الشيطان أحدكم فيقول من خلق كذا من خلق كذا حتى يقول له من خلق ربك فإذا بلغ ذلك فليستعذ بالله تعالى» ولقد أحسن من قال:
ولا تفكرن في ذي العلا عز وجهه ** فإنك تردى إن فعلت وتخذل

ودونك مخلوقاته فاعتبر بها ** وقل مثل ما قال الخليل المبجل

وقيل: المراد من الآية التوحيد وفي المخاطب وجهان: أحدهما: أنه عام تقديره إلى ربك أيها السامع أو العاقل والثاني: أنه خطاب مع النبيّ صلى الله عليه وسلم فعلى الأول يكون تهديدًا وعلى الثاني يكون تسلية لقلب النبيّ صلى الله عليه وسلم فعلى الأول تكون اللام في المنتهى للعهد المعهود في القرآن وعلى الثاني تكون للعموم أي إلى ربك كل منتهى.
وقوله تعالى: {وأنه هو} أي: لا غيره {أضحك وأبكى} يدل على أنّ كل ما يعمله الإنسان فبقضاء الله تعالى وخلقه حتى الضحك والبكاء، وروي أنه صلى الله عليه وسلم مر على قوم من أصحابه وهم يضحكون فقال صلى الله عليه وسلم «لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلًا ولبكيتم كثيرًا» فنزل عليه جبريل عليه السلام فقال يا محمد إنّ الله يقول لك: {وأنه هو أضحك وأبكى} أي: قضى أسبابهما فرجع إليهم صلى الله عليه وسلم فقال ما خطوت أربعين خطوة حتى أتاني جبريل فقال: ائت هؤلاء فقل لهم إن الله تعالى يقول: {هو أضحك وأبكى} أي قضى أسباب الضحك والبكاء وقال بسام بن عبد الله أضحك أسنانهم وأبكى قلوبهم وأنشد يقول:
السنّ تضحك والأحشاء تحترق ** وإنما ضحكها زور ومختلق

يا رب باك بعين لا دموع لها ** ورب ضاحك سنّ ما به رمق

وقال مجاهد والكلبي أضحك أهل الجنة في الجنة وأبكى أهل النار في النار، وقال الضحاك: أضحك الأرض بالنبات وأبكى السماء بالمطر وقال عطاء بن أبي مسلم: يعني أفرح وأحزن لأنّ الفرح يجلب الضحك، والحزن يجلب البكاء وقيل: إنّ الله تعالى خص الإنسان بالضحك والبكاء من سائر الحيوان وقيل: القرد وحده يضحك ولا يبكي وإنّ الإبل وحدها تبكي ولا تضحك وقال يونس بن الحسين: سئل طاهر المقدسي أتضحك الملائكة؟ فقال: ما ضحكوا ولا كل من دون العرش منذ خلقت جهنم وعن عائشة قالت: «لا والله ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قط إن الميت يعذب ببكاء أحد ولكنه قال إنّ الكافر يزيده الله ببكاء أهله عذابًا وإنّ الله تعالى هو أضحك وأبكى».
تنبيه:
قوله تعالى: {وأنه هو أضحك وأبكى} وما بعده يسميه البيانيون الطباق المتضادّ وهو نوع من البديع، وهو: أن يذكر ضدّان أو نقيضان أو متنافيان بوجه من الوجوه، وأضحك وأبكى لا مفعول لهما في هذا الموضع لأنهما سيقا لقدرة الله تعالى لا لبيان المقدور فلا حاجة إلى المفعول كقول القائل: فلان بيده الأخذ والعطاء يعطي ويمنع، ولا يريد ممنوعًا ومعطى واختار هذين الموضعين المذكورين لأنهما أمران لا يعللان فلا يقدر أحد من الطبائعيين يبين لاختصاص الإنسان بالضحك والبكاء وجهًا ولا سببًا، وإذا لم يعلل بأمر فلابد له من موجد وهو الله تعالى بخلاف الصحة والسقم فإنهم يقولون: سببهما اختلال المزاج وخروجه عن الاعتدال ومما يدل على ذلك أنهم إذا عللوا الضحك قالوا: لقوّة التعجب وهو باطل، لأنّ الإنسان ربما بهت عند رؤية الأمور العجيبة ولا يضحك وقيل: لقوّة الفرح وليس كذلك لأنّ الإنسان قد يبكي لقوّة الفرح كما قال بعضهم:
هجم السرور على حتى أنه ** من عظم ما قد سرني أبكاني

{وأنه هو} أي: لا غيره {أمات وأحيا} وإن رأيتم أسبابًا ظاهرة فإنها لا عبرة بها في نفس الأمر بل هو الذي خلقها أي أمات في الدنيا وأحيا في البعث وقال القرطبي: قضى أسباب الموت والحياة وقيل: أمات الآباء وأحيا الأبناء وقيل: أمات الكافر بالكفر وأحيا المؤمن بالإيمان.
{وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَانثَى مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ اخْرَى وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا اولَى وَثَمُودَا فَمَآ أَبْقَى وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى فَبِأَىِّ ءَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى}.
{وأنه خلق الزوجين} ثم فسرهما بقوله تعالى: {الذكر والأنثى} فإنه لو كان ذلك في يد غيره لمنع البنات لأنها مكروهة لغالب الناس.
وقوله تعالى: {من نطفة إذا تمنى} أي: تصب يشمل سائر الحيوانات لا أن ذلك مختص بآدم وحوّاء عليهما السلام، لأنهما ما خلقا من نطفة، وهذا أيضًا تنبيه على كمال القدرة لأنّ النطفة جسم متناسب الأجزاء ويخلق الله تعالى منها أعضاء مختلفة وطباعًا متباينة، وخلق الذكر والأنثى منها أعجب ما يكون ولهذا لم يقدر أحد على أن يدعي خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم قال تعالى: {ولئن سألتهم من خلقهم ليقولنّ الله} (الزخرف).
وقال تعالى: {ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولنّ الله} (لقمان).
فإن قيل: ما الحكمة في قوله تعالى: {وأنه خلق} ولم يقل وأنه هو خلق كما قال تعالى: {وأنه هو أضحك وأبكى}؟
أجيب بأن الضحك والبكاء ربما يتوهم أنهما بفعل الإنسان، والإماتة والإحياء وإن كان ذلك التوهم أبعد فيهما لكن ربما يقول به جاهل كما قال من حاج إبراهيم عليه السلام أنا أحيي وأميت فأكد ذلك بالفصل، وأما خلق الذكر والأنثى من النطفة فلا يتوهم أحد أنه بخلق أحد من الناس فلم يؤكد بالفصل ألا ترى إلى قوله تعالى: {وأنه هو أغنى وأقنى} (النجم).